فاطمة إبراهيم البلوي
ليس كلُّ صمتٍ سلامًا..
ولا كلُّ تجاهلٍ يُمرّ بلا أثر..
ثمّة مواقف تُصاغ بسبق الإصرار..
وتُنحت بنية الإقصاء..
كأنّها طعنة مقنّعة تحاول أن تُسقِط من مكانتك..
أو تُخفي حضورك..
أو تُلغي اسمك من حساباتٍ لم تكن يومًا أوسع منك..
التجاهل المتعمد…
فعلٌ صغير في ظاهره..
لكنّه يحمل من القسوة ما يكشف معدن الإنسان أمام نفسه قبل أن يكشفه أمام غيره..
هو إعلان صامت عن ضيق الصدر..
وعن نفس اعتادت أن ترفع نفسها بخفض الآخرين..
لكنَّ الحقيقة التي يغفلون عنها أنّ القيمة التي يصنعها الله لا يُسقطها بشر..
وأنّ من اعتاد الوقوف بثبات لا تهزّه خطوة خفيفة..
ولا نيّة متعلّقة بغيرة ..
أو صِغَر نفس..
دعهم يتعمّدون تغييبك…
فلن يضرّ النجم أن يُغمِض أحدهم عينيه عنه..
ولن يقلّ الضوء لأنّ قلبًا حاقدًا أراد تجاهله..
هم من يحتاجون الظلّ ليظهروا..
أمّا أنت فوجودك وحده يكفي لفضح الفراغ من حولهم..
التجاهل ..
الذي يظنّه البعض إهانة…
لا يَهين إلا صاحبه..
ولا يكشف إلا عيوبه..
ولا يفضح إلا خواءه الداخلي..
أمّا أنت…
فاسمك لا يضيع..
ورأيك لا يختفي..
ومكانتك لا تُمحى..
لمجرد أن أحدهم حاول أن يطفئ حضورك أمام غيره..
إنّ النفس الكبيرة لا تلهث وراء مواضع تُسحب منها عمدًا..
ولا تطرق أبوابًا أُغلقت قصدًا..
فالكرامة ..
ليست كلمة..
ولا ردّ فعل..
بل مبدأ ثابت…
وحين تُمسّ الكرامة..
يصبح الابتعاد رفعة..
والتجاهل المتبادل حماية..
والصمت موقفًا أعلى من كل ضوضاء..
امنحهم حقّهم إن أرادوا التجاهل…
لكن لا تمنح أحدًا القدرة على أن يحدّد قيمتك..
ولا تُنزل نفسك إلى مستوى من يرى أن إقصاءك يرفعهم..
وتذكر دائمًا..
الذي يُقصيك من المشهد…
يكشف أنه لا يحتمل وجودك فيه..
والذي يتعمد تجاهلك…
إنما يعترف ضمنًا بأنك أثقل مما يستطيع استيعابه..
فامضِ مُرتفع الرأس…
لا تُبرّر..
ولا تُصَحّح..
ولا تُطأطئ..
فالكرامة التي تسكنك أعمق من أن تُخدش..
وأعلى من أن تصل إليها أيدي النوايا الصغيرة..