معلا السلمي
لم يعد التفكير بعقل واحد كافيًا لاتخاذ قرار صائب أو قراءة مشهد مليء بالاحتمالات. وهنا يظهر مفهوم “العقلين”؛ عقلٌ يعيش اللحظة، وعقلٌ يتجاوزها. عقل يستقبل الحدث، وعقل يترجم ما وراءه.
امتلاك “عقلين” لا يعني الانقسام، بل الوصول إلى مرحلة عالية من الوعي الذهني تجعل الإنسان قادرًا على النظر إلى الأمور من زاويتين:
زاوية العقل المنفعل الذي يستقبل، يشعر، ويتفاعل…
وزاوية العقل العاقل الذي يُحلّل، يوازن، ويستنبط.
العقل الأول سريع الاستجابة، يتفاعل مع المؤثرات، ويتعامل مع التفاصيل اليومية.
أما العقل الثاني فهو المرصد الداخلي الذي يراقب المشهد بعمق، يعيد ترتيب الأفكار، ويقدّم نسخة أوضح من الحقيقة قبل اتخاذ أي خطوة.
عندما تمتلك عقلين…
أنت لا تسير خلف الصوت الأعلى، بل خلف القناعة الأقوى.
لا تستسلم للعاطفة وحدها، ولا تترك المنطق يقودك بلا إحساس.
تتوازن داخليًا، وتشعر بأنك ترى العالم بوضوح لا يراه الآخرون.
هذه المهارة هي ما يصنع الفرق بين ردّ فعل عابر، وقرار حكيم يبقى أثره طويلًا. هي ما يجعل الإنسان قادرًا على إدارة ضغوطه، وتحديد أولوياته، والتعامل مع التعقيدات دون أن يفقد بوصلته.
لقد أثبتت التجارب أن الأشخاص الذين “يفكرون بعقلين” يعيشون أكثر أمناً فكريًا وراحة نفسية. لأنهم ببساطة لا يتركون الأمور تسحبهم، بل يختارون كيف يتفاعلون معها.
العقل الأول يرى الطريق.
العقل الثاني يفهم لماذا تسير فيه.
وبينهما تُولد الحكمة.
وفي النهاية، امتلاك عقلين ليس موهبة فطرية فقط، بل يمكن اكتسابه بالوعي، والتأمل، وطرح الأسئلة الصحيحة. وكلما ازدادت مساحة الإدراك، ازداد اتساع هذا “العقل الثاني” الذي يمنحك القدرة على اتخاذ الموقف المناسب في الوقت المناسب.