وداد المنيّع / سيهات
الورق يتنفس.. والذاكرة تُقاوم التحوّل
تبعثرت الحروف، وتاهت الجمل بين أروقة الورق والهواء،
فما عادت الصحف تُطبع، بل تحوّلت إلى شاشات مضيئة،
وتبدّلت القيم فغدت رموزًا مبرمجة،
وأصبح كل شيء يُدار من خلف ستار “السوشيال ميديا”…
لكن أين ذهبت المحافل الأدبية؟
أين ذلك الصخب الثقافي الذي كان يملأ المقاهي برائحة الحبر والكتب؟
نعم، لا ننكر وجود الشريك الأدبي في بعض المقاهي،
لكن يبقى للكتاب عبقه الخاص، ولمسته، ودفء صفحاته حين تتقلب بين يديك.
ذاك الأثر الجمالي الذي يربط القارئ بورقٍ صامتٍ ينبض بالحياة،
تخطّ تحته جملة أعجبتك، أو تشخبط على هامش فكرةٍ لم ترق لك،
ترسم، وتدوّن، وتثني الصفحة لتعود إليها…
إنها الكيمياء الخفية بين القارئ والكتاب.
مكتبة علي الحرز… ذاكرة وطنٍ وبهاء حرف
ما أجمل أن تقرأ وأنت في حضرة الكتب، في عرين المعرفة،
حيث تنساب الطهارة على الروح، خصوصًا حين تكون في مكتبةٍ يتنفس صاحبها عشق القراءة.
الأستاذ علي الحرز، قارئ نهم وأديب شغوف،
شيّد منصة بصرية فريدة تجمع بين الحرف والأثر،
حيث تمتد الرفوف كأنها أجنحةُ ذاكرةٍ تحمل تاريخ الوطن،
وفي كل زاويةٍ من مكتبته تشعر أنك في متحفٍ للحضارات،
تتجوّل بين الكتب كما لو أنك في معبدٍ روماني ترفع رأسك إعجابًا بجماليات المشهد.
هو بحق متحف الحرف والكلمة، مكانٌ يندر أن تغادره دون أن تزداد معرفةً ودهشة.
وقفة… نحو جيلٍ يقرأ لا يمرر
ليت وزارة التعليم تُدرك قيمة استثمار العقول الثقافية،
فتمنح المثقفين فرصة المشاركة في صياغة المناهج،
فهم الأقدر على فهم الجيل ومواجهة فوضى الفكر المعاصر،
ولتكن القراءة سلاحًا نواجه به الانغماس الإلكتروني والعزوف عن المعرفة.
نحن بحاجةٍ إلى مشاهد بصريةٍ مكتبيةٍ عريقة،
وورشٍ حيةٍ تُعيد للأذهان وهج الكلمة قبل أن تصدأ العقول،
ولنثرِ ما فرغ قبل أن يُهمل إلى الأبد…