الرياض – طلال بن فهد

نظّم معرض الرياض الدولي للكتاب 2025، الذي تشرف عليه هيئة الأدب والنشر والترجمة، ورشة عمل ثقافية بعنوان “الحِرف والفنون من التقليدية إلى الصناعات الثقافية”، قدّمها الأكاديمي والباحث الدكتور علي النجعي، ضمن البرنامج الثقافي المصاحب للمعرض.
واستهلّ النجعي الورشة بالحديث عن تطوّر الحرف والفنون عبر التاريخ، موضحًا كيف تحولت من ممارساتٍ يدوية تقليدية إلى صناعاتٍ إبداعية حديثة تسهم في الاقتصاد الثقافي المعاصر، ومشيرًا إلى أن الفنون اليدوية الأصيلة تظل الأعلى قيمةً لأنها تحمل روح الإنسان الذي صنعها.

وبيّن أن عنوان الورشة يحمل في مضمونه تأريخًا للحِرف والفنون، مستعرضًا عددًا من المراجع المتخصصة، منها كتاب “الزخارف الشعبية في البيوت النجدية” لمحمد السويح، وكتاب “محاضرات في تاريخ الفن”، مؤكدًا أن قراءة تاريخ الفنون تمثل مدخلًا لفهم التطور الحضاري والإنساني الذي تشكّلت من خلاله القيم الجمالية والرموز البصرية.
وأشار إلى أن التاريخ يمثل أرضية الانطلاق لأي تطور فنيٍّ أو فكري، وأن دراسة تاريخ الفنون والحِرف تكشف عن عمق التراث والهوية الوطنية، وتتيح للأجيال فهم جذورهم الثقافية، مما يعزّز التواصل الإبداعي بين الماضي والحاضر.
وتحدّث عن مفهوم الفن من منظورٍ فلسفي، موضحًا أنه يتصل بالإدراك والتفكير، وأن الفنون لغويًا هي المهارات التي يحكمها الذوق والموهبة، بينما تُعرَّف اصطلاحًا بأنها مجموعةٌ من المهارات الإنسانية التي تتجلى في الفنون البصرية والتشكيلية والأدائية، معبّرًا بذلك عن الجانب العقلي والعاطفي في آنٍ واحد.

وخلال النقاش، تناول النجعي الفرق بين الحرفة والفن، مبيّنًا أن الحرفة تعتمد على المهارة اليدوية الدقيقة، على حين يمثل الفن الجانب الجمالي والقيمي للمنتج، مضيفًا أن الفنون تعبيرٌ عن الحالة الوجودية للإنسان السعودي وتراثه العريق، مستشهدًا بقول الفلاسفة القدماء: إن سقراط كان مثالًا للفنان الذي يجمع بين الحرفة والفكر والإبداع.كما استعرض تطوّر مفهوم الفن في القرن التاسع عشر حين أصبح تعبيرًا إنسانيًّا عن المشاعر والانفعالات في قالبٍ جمالي متكامل، وتطرّق إلى المعارف والمهارات التقليدية التي نشأت من تفاعل الإنسان مع بيئته، مثل الفنون الشعبية والمعتقدات والطقوس المحلية التي تعكس روح المكان والزمان.وأكد أن المنتجات التقليدية القديمة تحمل في جوهرها إبداعًا فنيًّا يمكن تطويره وتسويقه ضمن منظومة الصناعات الثقافية الحديثة، مستشهدًا بتجربة الحِرَفية السعودية رشيدة الرشيد التي دمجت نسيج السدو التراثي مع علامة “أديداس” العالمية في نموذجٍ يجسد التكامل بين الأصالة والابتكار.
كما استعرض المُحاضِر الخطَّ الزمني للفنون العالمية منذ عام 1500 حتى اليوم، متناولًا المدارس الانطباعية والتعبيرية والتكعيبية وغيرها، ومتسائلًا عن غياب النظريات الفنية العربية رغم ما يملكه العرب من إبداعٍ فني أصيل، مرجعًا ذلك إلى الحاجة إلى فلسفةٍ فنية عربية تُثري المفاهيم الجمالية وتؤسس لخطابٍ نقدي محلي.
واختتم الدكتور النجعي الورشة بالتأكيد على أن الفنون التقليدية في المملكة امتدادٌ للفن الإسلامي، وأن الحركة الفنية السعودية انطلقت رسميًّا عام 1957م مع اعتماد مادة التربية الفنية في التعليم، مما مهّد الطريق أمام جيلٍ من الفنانين السعوديين الذين مزجوا الأصالة بالحداثة وأضافوا بَصْمَتهم الخاصة في المشهد الثقافي السعودي.

اترك تعليقاً