فاطمة البلوي

إلى مادح الظلم..

إلى من اختار أن يسوّد صفحات التاريخ بمداد النفاق..

وأن يضع يده في يد الباطل متزيّنًا بعبارات جوفاء…

أكتب لك هذه الكلمات..

لستَ شاهداً على فضيلة كما توهمت..

بل شريكًا في جريمة تزييف الحقيقة..

حين مدحتَ من لا يستحق أن تُكرّمه بل فضحت نفسك أولًا وأعلنت صراحةً أنك تتغذى على الفتات الذي يُرمى لك من موائد التحيّز..

أتعلم ما صنعت؟

لقد أعدت على قلوب المظلومين جراحهم..

وسقيت أرواحهم مرارةً مضاعفة..

حين رأوا من يُزيّن ظالمهم بالمديح الكاذب..

ظننتَ أنك ترفع قدره فإذا بك تُسقط نفسك في وحل النرجسية والانتفاع..

وحين كتبتَ عباراتك المتغنّجةلم تُثبت عظمة الممدوح كما زعمت..

بل كشفت أن قلمك أداة تلميع لا تعرف الحق ولا تنصف المظلوم..

فلتعلم أن مديحك ليس شهادة حق بل وصمة عار..

ولن يُقرأ يومًا كتكريم..

بل سيُسجّل كدليل على سقوط أخلاقي وعلى رضى أعمى بالباطل..

وعلى روحٍ تشرّبت النفاق حتى غدا زينة كلامها أقبح من قبح الصمت..

ما أبشع أن تُساق الكلمات لتكون سلاحًا في يد النفاق..

وما أقبح أن يُساق المديح ليستر قبح الظلم ويُجمّل وجه الانحياز..

ما كُتبه أنت ليس ثناءً صادقًا ولا شهادة حق..

بل لوحة مطلية بألوان الزيف..

صنعها قلم اعتاد أن يزوّر الحقائق ويُلبس الباطل ثوب الفضيلة..

إن النرجسية حين تتكلم لا ترى سوى نفسها..

وحين تكتب لا تنطق إلا بالكذب المكسو بالتصنّع..

تمدح لتنتفع وتجمّل لتُخفي جراح الآخرين..

وتكتب كأنك تبني أمجادًا..

بينما أنت في الحقيقة تفضح عجزك..

وتكشف كم استفدتَ من ظلمٍ داس أحلام الكثيرين..

أيّ أب حانٍ ذاك الذي يغلق أبواب العدل؟ ..

وأي قدوة ذاك الذي يُقصي ليسترضي ويُطفئ نور الموهوبين ليُبقي الأضواء مسلطة على قلةٍ بعينها؟ ..

وأي معلمٍ ذاك الذي يغرس في القلوب الخوف بدل الثقة ويزرع الانكسار بدل الأمل؟..

إن المدح الكاذب لا يرفع المظلوم عنه الظلم ولا يُحوّل الظالم إلى عظيم..

بل هو طعنة جديدة في قلوب من عرفوا الحقيقة وعاشوا مرارتها..

فالمتزين بحروفك المزيّفة لن يزيده ذلك إلا سقوطًا..

وأنت لن تجني من كلماتك سوى انكشاف وجهك الحقيقي أمام كل من يدرك أن الحق لا يُغطّى بالزخارف..

الحقيقة لا تُمحى مهما حاولت الأقلام أن تمحوها..

والذاكرة لا تُغسَل مهما حاولت العبارات أن تلمّع صورة شوهها الظلم..

والمديح الذي يصدر عن قلب مريض بالأنانية والنرجسية ليس سوى دليل على فساد الضمير وضحالة الموقف..

فلتكتب ما شئت من قصائد التزييف..

ولتزيّن الظلم بما شئت من زخارف الكلام..

سيبقى صوت المظلوم أقوى..

وسيبقى أثر الظلم أعمق من أن تغسله أنهار من العبارات المسمومة..

وأنت مهما نسجت من وهم لن تغيّر حقيقة أنك لم تكتب إلا عن نفسك لا عن غيرك ..

عن انتهازيتك ..

عن نرجسيتك..

وعن ولعك بتجميل ما هو أقبح من أن يُجمَّل..

اترك تعليقاً