ربيعة الحربي_الرياض
وسط الزحام الذي يحيط بالركن الأردني داخل فعاليات الأسبوع السعودي الدولي للحرف اليدوية “بنان”، تلمع زاوية تكسر الإيقاع بنعومتها؛ هناك تقف نورهان الحنيطي، مصممة أزياء تراثية أردنية، تُمسك بثوبٍ طويل كأنها تعترف له سرًا قبل أن تعلّقه أمام الجمهور. حضورها هادئ، لكنها تملك تلك القدرة العجيبة على جعل الزائر يتوقف، يتأمل الخيط، ويسأل عن الحكاية.
نورهان بدأت رحلتها قبل خمس سنوات فقط، لكنها تتحدث عن المهنة كما لو أنها وُلدت وهي تمسك الإبرة. تقول بابتسامة متواضعة: “من ٥ سنين بدأت أصمم أزياء تراثية أردنية… ودخلت المجال حبًا فيه، لأنه جزء منّا”. ثم تشير إلى صف من الثياب المطرّزة التي تحيط بها من الجانبين: “الأزياء اللي جايبتها كلها من التراث… أغلب التطريزات فيها شغل يدوي على يد سيدات أردنيات”.
تشدد نورهان على أن التميّز الحقيقي يكمن في التفاصيل، وفي احترام الجذور التي خرجت منها هذه الثياب. كل قطعة هنا تحمل لمسة مختلفة، لا بسبب اختلاف اللون فقط، بل لأن كل ثوب يرتبط بمحافظة معينة، بطبيعتها وخلفيتها ورموزها. تقول: “كل ثوب بيختلف حسب التطريز… وكل منطقة إلها بصمتها”. ولهذا السبب قضت أربعة أشهر كاملة في التحضير لمشاركتها في “بنان”، لتتأكد أن كل محافظة لها تمثيل حقيقي في المعروضات: “كنت حريصة جدًا إنه يكون معانا ثوبين تقليديين من كل محافظة… عشان الصورة تكون كاملة قدّام الزوار”.
لكن نورهان لا تقف عند حدود النقل؛ فهي ليست فقط وسيطة بين الماضي والحاضر، بل صانعة جسر بينهما. تصنع ثيابًا تعيد تقديم التراث بتصميم حديث، يسمح للقطعة أن تعيش في الحياة اليومية دون أن تفقد روحها الأصلية. تقول: “أحب أعمل تصميمات جديدة مبنية على التقليدي… أستخدم التطريز القديم، بس بطريقة تتناسب مع الموضة”. هذه الفلسفة جعلت كثيرين يتوقفون عند أزيائها، فهي قادرة على الحفاظ على هوية الثوب، وفي الوقت نفسه منحه حياة ثانية.
داخل الركن الأردني، تشكل أعمال نورهان طبقة إضافية في الحكاية التي يريد الأردن أن يقدمها للجمهور العربي. حين يقف الزائر أمام الثياب، لا يرى أقمشة فقط، بل يرى عمان والسلط والطفيلة والكرك وعجلون… يرى تاريخًا يمشي في خيوط حمراء وسوداء وخضراء، ويتعرّف إلى معنى أن تكون الحرفة امتدادًا لذاكرة بلد لا تزال قادرة على التجدد.
وتؤكد نورهان أن العمل مع السيدات الأردنيات في التطريز ليس مجرد تعاون مهني، بل علاقة إنسانية تحافظ على إرث كامل. تقول: “كل غرزة إلها وقتها… وإلها صبرها… والسيدات اللي معي هن اللي يحافظن على هالشي”. هذا البعد الإنساني ينعكس في القطع ذاتها؛ فكل ثوب لا يشبه الآخر لأن اليد التي صنعته تحمل حياة مختلفة.
ومع تدفّق الزوار على الركن الأردني في “بنان”، تبدو مشاركة نورهان فرصة جديدة للتعريف بهذا النوع من الأزياء، وبالجهد الذي يُبذل خلف كل خيط. كثيرون يسألونها عن الوقت اللازم لكل قطعة، وبعضهم يسأل إن كانت تقبل تصميمات خاصة. تضحك وتقول: “طبعًا… أهم شيء إنه الثوب يظل محافظ على أصله”.
في النهاية، لا يشعر الزائر أنه مرّ بمصممة أزياء فقط، بل بمؤرخة خيوط، تعرف كيف تحكي قصة البلاد من خلال ثوب واحد. نورهان الحنيطي لا تعرض أزياء فحسب؛ إنها تعرض ملامح الأردن كما تُروى على قماش.