ربيعة الحربي_ الرياض

في أروقة جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن التي تستضيف فعاليات الأسبوع السعودي الدولي للحرف اليدوية “بنان” الذي تنظمه هيئة التراث، بدت الحركة منذ الساعات الأولى للزيارة مختلفة عن المعتاد. عشرات الطلاب من أكاديمية الفنون الثقافية – المرحلتين الابتدائية والمتوسطة دخلوا القاعات الواسعة بخطوات تجمع بين الفضول والاكتشاف، في تجربة تعليمية حرصت الأكاديمية على أن تخرج من إطار الفصل الدراسي إلى فضاء يتيح للطلاب رؤية الفنون كما تُصنع، والتعرّف على الحرفيين الذين يحولون المواد الخام إلى أعمال دقيقة تحمل أثر اليد وخبرة السنين.

ومع تنقل الطلاب بين منصّات العرض، كان المشهد مزيجًا من الحميمية والبساطة، حرفيون منهمكون في الرسم على الخشب، وآخرون يعرضون مهاراتهم في النسيج والتطريز وصياغة المعادن، بينما اصطف الطلاب في حلقات صغيرة حول كل جناح ليستمعوا لشرح مباشر عن مراحل العمل وأدواته وطرقه، بعض الطلاب تابع باهتمام تفاصيل الأدوات، وآخرون بدوا مأخوذين بحكايات الحرفيين عن بداياتهم وطريقة اكتسابهم لمهاراتهم، في وقت حرص فيه عدد من الحرفيين على تقديم شرح مبسّط يناسب أعمار الزائرين الصغار.

وكان من بين المحطات التي لفتت الأنظار توقف الطلاب عند الجناح الصيني الذي شكّل بالنسبة لهم تجربة مختلفة من حيث الأساليب الفنية والرؤية الثقافية التي يقدمها الحرفيون المشاركون. فقد وقفوا يراقبون الحرفيين الصينيين وهم يصنعون أعمالًا تعتمد على الدقة العالية واللمسات الهادئة، واستمعوا لشرح مطوّل عن تقنيات فنية متوارثة، ما جعل تفاعلهم في هذا القسم واضحًا، سواء من خلال الأسئلة التي طرحوها أو محاولتهم فهم الاختلاف بين الحرف الآسيوية ونظيراتها المحلية. وقد بدا اهتمامهم لافتًا، خصوصًا وأن الجناح قدم مفردات جمالية وثقافية جديدة بالنسبة لهم.

وجاءت هذه الجولة جزءًا من خطة تعليمية وضعتها الأكاديمية لإتاحة فرصة واقعية أمام طلابها لفهم الحرف اليدوية باعتبارها أحد المسارات المهمة ضمن مناهج الفنون البصرية. وقال ماهر العامر، منسق الفنون البصرية في الأكاديمية، إن الطلاب يدرسون داخل الصف موضوعات متعلقة بالأشغال اليدوية والفنون التطبيقية، ثم تأتي مثل هذه الزيارات لتتيح لهم رؤية ما يتعلمونه على أرض الواقع، بشكل يربط بين المعرفة النظرية والممارسة الفعلية.

وأشار إلى أن الاحتكاك بالحرفيين مباشرة يمنح الطلاب تصورًا أوليًا عن طبيعة الحرفة كعمل إبداعي له أدواته ومراحله وتاريخه، مما يساعد على ترسيخ قيمة التراث الفني في أذهانهم.

ولم تقتصر تجربة الطلاب على المشاهدة فقط، إذ شارك بعضهم في تجارب قصيرة عرضها الحرفيون، فحاولوا رسم نقوش بسيطة أو لمس بعض الخامات أو تجربة تشكيل أولي لمواد خفيفة، في مشهد عكس رغبة واضحة في الفهم والتجربة أكثر من الاكتفاء بالمشاهدة. وبرغم بساطة الخطوات التي مارسها الطلاب، فإنها تركت لديهم انطباعًا ملموسًا عن الجهد الحقيقي خلف كل قطعة فنية تُعرض في الأجنحة.

وبدأ تأثير الزيارة واضحًا على الطلاب الذين انقسموا بين مندهش من دقة العمل في صناعة الخوص، ومنشغل بمتابعة ضربات المطرقة على النحاس، ومتفحص لألوان الأقمشة التي تتدرج في النسيج اليدوي، في وقت حاول فيه المدرسون المرافقون ربط ما يشاهده الطلاب بما يتعلمونه خلال العام الدراسي.
ومع استمرار الزيارة، توزّع الطلاب على أجنحة تنتمي إلى مناطق مختلفة من المملكة، ما أتاح لهم رؤية التنوع الكبير في الحرف التقليدية المحلية، وكيف تختلف الأساليب من منطقة إلى أخرى مع بقاء الروح المشتركة التي تجمعها.
وتشكّل فعالية “بنان” مساحة واسعة للتفاعل الثقافي، إذ تجمع تحت سقف واحد عشرات الحرفيين والعارضين والمهتمين من مختلف المدن، وتقدّم ورشًا مفتوحة وعروضًا مباشرة تستمر طوال أيام الفعالية، ويأتي تنظيمها في إطار جهود هيئة التراث لتسليط الضوء على الحرف اليدوية بوصفها جزءًا أساسيًا من الهوية الثقافية ورافدًا يمكن أن يتطوّر ضمن قطاعات الصناعات الإبداعية.

 

اترك تعليقاً