مؤنس شجاع
دكتوراة بالتخطيط الاستراتيجي
لعل من أهم وأقدم العلوم التي مارستها البشرية هي العلوم الإدارية ، فالإدارة تمت ممارستها منذ نشأة البشرية ضمن مجتمعاتها كما تم وضع تلك الأسس النظرية لمدارس الإدارة خلال القرنين الماضية بناء على الممارسات الواقعية في المنظمات الحكومية والتجارية ومن ثم تم تطويرها وتحسينها وما تبع ذلك من إدخال الأنظمة الإدارية والأتمتة إلى أن وصلنا إلى تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي ، ولإبراز أهمية الإدارة على مستوى التنافس الدولي سنتعرض تجربة دولة راوندا الأفريقية وكيف تطورت بتلك النقلة النوعية في فترة قصيرة نسبياً !
دولة راوندا
تقع دولة راوندا في الشرق الأفريقي وهي من أصغر بلدان أفريقيا حجماً حيث تبلغ مساحتها 26338 كلم مربع وبنفس الوقت فإنها أكثر بلدان أفريقيا كثافة سكانية حيث يبلغ عدد سكانها 12 مليون وسبعمائة الف نسمة وهي دولة غير ساحلية لا تمتلك أي حدود بحرية فهي محاطة بخمسة دول من جميع الاتجاهات !
بداية النهضة عقب الإبادة
لقد واجهت راوندا أفظع وأقسى إبادة جماعية على تاريخ البشرية خلال فترة زمنية قصيرة حيث تمت إبادة مليون شخص خلال 100 يوم من الحرب الأهلية التي عصفت بالبلاد عام 1994م ” يمكن الرجوع لتفاصيلها الموثقة ” لمعرفة مدى فظاعتها ، ولعل من أهم التحديات التي واجهت الحكومة وقتها في بلد مدمر ومشتت ومقسم مجتمعياً عدة مسائل منها أولاً الأمنية حيث تم بسط الأمن على كامل الدولة ومن ثم عقد آلاف المحاكمات ومن ثم بدأت التحولات الاقتصادية عقب من تم بناء جيش موحد وشامل لكل المكونات العرقية في البلاد !
خطة 2020م الاستراتيجية
كان من أهم التحديات في بداية عام 1995م التي واجهت الحكومة هي العمل على الوحدة الوطنية وتم ذلك من خلال وضع قوانين صارمة وملزمة للجميع و تمت إتاحة الفرص التعليمية و الانخراط بالجيش للجميع بدون استثناء ، كما واجهت الحكومة تضخم كبير جداً في الأسعار في مقابل نقص كبير في القوى العاملة حيث قتل وفر أكثر من 40% من القوى العاملة على مستوى الدولة وكانت نسبة الإناث تفوق عدد الرجال ، وبالتالي عمدت الحكومة إلى وضع خطة إستراتيجية لمدة عشرون عاماً من عام 2000م الى عام 2020م مبنية على ثلاثة أركان وهي الوحدة والطموح والمسائلة تهدف إلى تنمية مستدامة ونمو اقتصادي بصورة متصاعدة سنوياً لإنشاء مجتمع يشمل الجميع وتكافؤ الفرص وتساوي الحقوق ، وقد نجحت تلك الخطوات بشكل جعل الجميع يتحدث عن نتائجها الرائعة لنقل البلد من الدمار إلى التطور بل أن الحكومة اعتمدت خطة جديدة لعام 2035م لاستمرار التطوير !
للاستفادة من نجاح خطة راوندا 2020م وإمكانية تعميمها !!
لقد كتب لتلك الخطة الرواندية النجاح بتوفيق الله نظراً لما قامت به الحكومة من حزم وفعالية في تنفيذها ومشاركة كافة المجتمع في نهضة البلاد اقتصاديا واجتماعيا وقد صنفت كأفضل بلد أفريقي حسب تقرير البنك الدولي ، كما بلغت نسبة النمو السنوية المتوسطة 8% للبلد مما أدى بدوره إلى محاربة نسبة الفقر والعوز في المجتمع الرواندي المعتمد بنسبة 70% على الزراعة ويمكننا تلخيص تلك العوامل التي تقف خلف نجاح الإدارة الرواندية بالتالي :
إن وجود خطة إستراتيجية مبنية على أسس علمية سليمة مع قيادة إدارية محترفة وحوكمة ومراجعة فعالة لتنفيذها هي ركن أساسي في التنمية .
الكفاءة في استخدام الموارد المتاحة حيث أن الاعتماد على الموارد المحلية المتاحة واستغلالها الأمثل له الدور الفعال في تسريع النهضة الاقتصادية وتقليل الاعتماد على التمويل الدولي في مقابل جذب الاستثمارات الدولية .
إن الركائز الأساسية للخطة الإستراتيجية ومحاور الرؤية لابد أن تكون متكاملة وتغطي كافة النواحي المطلوبة للتنمية المستدامة وهي أمر فعال وضروري .
إمكانية تعميم التجربة على الدول الأخرى
بكل تأكيد من الممكن الاستفادة من الخطة الرواندية وكيف حققت ذلك النجاح بالشهادات الدولية وكيف استطاعت تجاوز الأحقاد العرقية وأعمال الانتقام التي تلت الحرب الاهلية وتحقيق العدالة والمصالحة الوطنية ومن ثم الانتقال إلى وضع خطة إستراتيجية شاملة ومتكاملة وتنفيذها وإدارتها بكل كفاءة وفعالية حسب الموارد المتاحة بالدولة المعنية وفق العوامل التي أدت الى نجاحها حسب ما بينته في الثلاثة ركائز الأساسية التي وصلتهم لذلك النجاح بعد توفيق الله .