د. وسيلة محمود الحلبي
أعدت الدكتورة فاطمة أبو واصل إغبارية، باحثة وأكاديمية في اللغة العربية بحثا بعنوان ” الازدواجية اللغوية في العالم العربي: الواقع والتحديات والآفاق” أشارت فيه أن الازدواجية اللغوية تعد من أبرز الظواهر اللسانية والاجتماعية التي تميّز المجتمعات العربية المعاصرة، حيث تتجاور العربية الفصحى بوصفها اللغة الرسمية والأدبية، مع اللهجات العامية التي تمثّل أداة التواصل اليومي. تهدف هذه الدراسة إلى تحليل واقع الازدواجية اللغوية في العالم العربي، والكشف عن آثارها التعليمية والثقافية والاجتماعية، مع استشراف آفاق التعامل معها في ضوء التحولات اللغوية الحديثة. اعتمدت الدراسة المنهج الوصفي–التحليلي، مستندة إلى نماذج واقعية ودراسات ميدانية. وتخلص إلى أن الظاهرة، على الرغم من تحدياتها، يمكن أن تتحوّل إلى عامل إثراء لغوي وثقافي إذا أُحسن توظيفها في التعليم والإعلام والسياسات اللغوية.
الكلمات المفتاحية: ازدواجية لغوية، العربية الفصحى، اللهجات العامية، التعليم، الهوية، الإعلام.
حيث أكدت أن اللغة العربية تعيش اليوم حالة فريدة من التنوّع بين مستويين لغويين متوازيين: العربية الفصحى بوصفها لغة التراث والكتابة الرسمية، واللهجات المحلية التي يستخدمها الناس في الحياة اليومية. هذه الظاهرة، التي يُطلق عليها اصطلاحًا ‘الازدواجية اللغوية’ (Diglossia)، ليست جديدة على المجتمعات العربية، لكنها ازدادت حدّةً بفعل التحوّلات الاجتماعية والتعليمية والتكنولوجية في العقود الأخيرة. يُطرح السؤال المركزي: كيف يمكن تحقيق توازن بين الحفاظ على الفصحى باعتبارها حاملة الهوية، وبين الاعتراف بالدور الوظيفي للهجات؟
الإطار النظري: مفهوم الازدواجية اللغوية
وأوضحت في البحث أنه ظهر مصطلح الازدواجية اللغوية في الدراسات اللسانية الحديثة مع العالم الأمريكي تشارلز أ. فيرغسون (Ferguson, 1959) الذي عرّفها بأنها وجود شكلين لغويين مختلفين في المجتمع الواحد يؤدي كل منهما وظيفة اجتماعية محددة. في السياق العربي، تُعدّ العربية الفصحى اللغة العليا (High Variety)، بينما تمثل اللهجات العامية اللغة الدنيا (Low Variety)، أي اللغة غير الرسمية المستخدمة في المواقف غير الرسمية. هذه الثنائية لا تقتصر على الجانب اللغوي فقط، بل تمتد لتشمل بُعدًا ثقافيًا وهويّاتيًا، يعكس علاقة العربي بلغته وتفاعله مع الحداثة.
منها مظاهر الازدواجية في العالم العربي، حيث تتجلى الازدواجية في العالم العربي في مستويات متعددة:
مثل العربية الفصحى: لغة القرآن الكريم، التعليم، والإعلام الرسمي. واللهجات العامية: لغة الحياة اليومية، الدراما، الأغاني، والمحادثات. وتتسم الفصحى بالدقة النحوية والمفردات الفصيحة، بينما العاميات تتصف بالمرونة والتبسيط ودخول مفردات دخيلة.
وانعكاسات الازدواجية على التعليم والإعلام والهوية منها:
في التعليم: حيث صعوبة فهم المناهج الدراسية المكتوبة بالفصحى. وضعف مهارات القراءة والكتابة. وازدواجية نفسية بين لغة المدرسة والبيت.
وفي الإعلام: حيث الخلط بين الفصحى والعامية لتحقيق الانتشار. والعامية تُقرّب الخطاب، لكنها قد تُضعف مكانة الفصحى.
في الهوية: فأصبح هناك جدلا بين دعاة الفصحى وأنصار العاميات. واللهجات تمثل ذاكرة ثقافية، والفصحى وعاء الهوية العربية.
والدراسات الواقعية منها:
دراسة مغربية (2020): أظهرت أن نحو 70% من طلاب المرحلة الابتدائية لا يفهمون محتوى الكتب الدراسية فهمًا كافيًا بسبب التباعد بين الفصحى والعامية.
دراسة لبنانية: بينت أن الطلبة يعبّرون عن أنفسهم بطلاقة بالعامية، لكنهم يعترفون بأهمية الفصحى في السياقات الرسمية والأكاديمية.
وذكرت في البحث أن رؤية لغوية مستقبلية تقول:
لا يمكن القضاء على الازدواجية اللغوية، لأنها جزء من الواقع الاجتماعي، لكن يمكن إدارتها بوعي لغوي وتربوي من خلال:
تيسير تعليم الفصحى عبر طرائق حديثة تربطها بلغة الحياة اليومية. وتطوير المناهج التعليمية والإعلامية بما يحد من الفجوة. وتبني سياسات لغوية منفتحة تراعي التعدد دون المساس بوحدة اللغة. وتشجيع البحث الميداني حول الظاهرة في البيئات المختلفة.
النتائج والاستنتاجات منها:
* الازدواجية اللغوية ظاهرة بنيوية متجذّرة في الواقع الثقافي والاجتماعي.
* الفجوة بين الفصحى والعامية سبب رئيس في ضعف التحصيل اللغوي.
* التحدي ليس في وجود الازدواجية، بل في إدارتها واستثمارها.
* اللغة العربية قادرة على التجدد إذا وُظّفت بذكاء في التعليم والإعلام.
الخاتمة
إنّ التعامل مع الازدواجية اللغوية يتطلّب وعيًا لغويًا وسياسات متكاملة تشترك فيها المؤسسات التعليمية والثقافية والإعلامية. فالفصحى ليست لغة الماضي، بل وعاء الحضارة والمعرفة، في حين تمثّل اللهجات جسورًا إنسانية تعبّر عن التنوّع والثراء. إنّ مستقبل العربية مرتبط بقدرتنا على جعلها لغة عصرية قريبة من وجدان الناشئة، دون أن تفقد أصالتها وجذورها.
المراجع
1. Ferguson, C. A. (1959). Diglossia. Word, 15(2), 325–340.
2. عبد الصبور شاهين (1991). الازدواجية اللغوية في الوطن العربي. القاهرة: دار الفكر العربي.
3. تمام حسن (1980). اللغة العربية معناها ومبناها. القاهرة: عالم الكتب.
4. إبراهيم أنيس (1995). من أسرار اللغة. القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية.
5. دراسات ميدانية في الازدواجية اللغوية بالمغرب ولبنان (2020–2022). تقارير جامعية محكّمة.
تجدر الإشارة أن
الدكتورة فاطمة أبو واصل إغبارية هي باحثة وأكاديمية متخصصة في تعليم اللغة العربية، وتتناول في أعمالها قضية الازدواجية اللغوية في العالم العربي، حيث تُعرف الازدواجية اللغوية بأنها وجود شكلين مختلفين من اللغة في المجتمع نفسه، مثل اللغة العربية الفصحى واللهجات العامية في السياق العربي. تركز أبحاثها على الواقع والتحديات والآفاق المتعلقة بهذه الظاهرة، وهي ناشطة في مجال تعليم العربية للناطقين بغيرها، وتساهم في تطوير مناهج وكتب تعليمية.
تفاصيل حول الدكتورة فاطمة أبو واصل إغبارية والازدواجية اللغوية: تخصصها الأكاديمي: حاصلة على درجة الدكتوراه في تعليم العربية للناطقين بغيرها.
مجالات الاهتمام: تركز على فهم الازدواجية اللغوية في العالم العربي وتحليل الفجوة بين اللغة العربية الفصحى واللهجات العامية، وتعمل على صياغة محتوى تعليمي وتأليف كتب.
الازدواجية اللغوية: هي ظاهرة لغوية يدرسها علم اللغة، وتصف وجود شكلين مختلفين من اللغة ذاتها في مجتمع واحد، بحيث يكون لكل منهما استخدام مختلف. في العالم العربي، يتمثل هذا في استخدام اللغة العربية الفصحى في الكتابة الرسمية والأكاديمية، واستخدام اللهجات العامية في المحادثات اليومية.
هدفها من دراسة الازدواجية اللغوية: تهدف إلى فهم هذه الظاهرة في سياقها العربي، ومعالجة التحديات التي تطرحها، واستكشاف الآفاق المستقبلية للغة العربية.
أنشطتها الأخرى: شاركت في مؤتمرات وفعاليات علمية ساهمت في تطوير خبراتها، وهي أيضاً شاعرة كتبت في مجالات متنوعة.