بقلم: عبدالرحمن إبراهيم
في عالمٍ يفيض بالضجيج، تختار الكاتبة أن تهمس — لا بصوتها، بل بكفاحها.
يأتي كتاب «متحدثة في عالمٍ أصم» ليكون أكثر من مجرّد تجربة عن الإعاقة؛ إنه نصّ عن الحياة بكل ما فيها من انكسارات وانتصارات، عن الهوامش التي تُهمل، والقلوب التي تقاوم بصمت.
الكاتبة بشائر الحمراني تصحب القارئ في رحلة شخصية شديدة الخصوصية، نرى من خلالها العالم بعيني فتاة وُلدت في جسدٍ لا يطيعها كما تفعل أجساد الآخرين، لكنها لم تكن يومًا ضحية له.
تحوّلت بشاير إلى صوتٍ في عالم لا يُصغي، وضوءٍ في ممراتٍ مظلمة بالأحكام المسبقة.
ما يميز هذا العمل ليس صدقه فحسب، بل لغته الراقية التي تمتزج بالعفوية والدفء، وتفاصيله اليومية التي تنبت من المواقف البسيطة لتكشف عن عمقٍ إنساني كبير.
تحكي الكاتبة كيف تحوّل الكرسي المتحرك من قيدٍ إلى جناحين، وكيف تكون الإعاقة الحقيقية في النظرة لا في الجسد.
المشاهد الشخصية، ولا سيما تلك المتعلقة بعلاقاتها العائلية والاجتماعية، تمنح الكتاب بُعدًا عاطفيًا مؤثرًا، وتُظهر بمهارة التوتر الإنساني الجميل بين الرغبة في الاعتماد على الذات والخوف من فقدان من نحب.
ومع ذلك، لا تقدّم الكاتبة بطلةً مثالية خارقة، بل إنسانة حقيقية تغضب، تبكي، وتنهار أحيانًا… لكنها دومًا تنهض — وهنا تكمن جاذبية الحكاية.
الرسالة الأهم التي يتركها الكتاب في ذهن القارئ هي أن الإعاقة ليست نهاية، بل شكل آخر من البداية، وأن الصوت لا يحتاج دومًا إلى حبالٍ صوتية… بل إلى شجاعةٍ وقلبٍ صادق.