إعداد/ د. وسيلة محمود الحلبي
لطالما كانت قصص النجاح مصدر إلهام للبشرية، ولكن حين تأتي هذه النجاحات من “أيتام ذوي ظروف خاصة”، فإنها تأخذ بعدا أعمق ومعنى أكبر. فالأيتام مجهولو الأبوين غالبا ما يواجهون تحديات نفسية واجتماعية ومادية تفوق ما يمر به أقرانهم. ومع ذلك، يثبت الكثير منهم أن اليُتم ليس نهاية الطريق، بل بداية حكاية مليئة بالإصرار والأمل. وبفضل إرادتهم الصلبة ودعم المجتمع أو الجمعيات الخيرية كـ “جمعية كيان” وغيرها، استطاعوا أن يحولوا المعاناة إلى دافع، وأن يثبتوا أن الظروف الصعبة لا يمكنها كسر الطموح.
ومن تلك القصص الناجحة قصة الابنة هند أحمد:

كانت هند فتاة يتيمة منذ نعومة أظافرها، لم تعرف طعم الحياة الأسرية الحقيقية إلا بعد أن احتضنتها أسرة بديلة، ومعها اختها ماجدة وقدمت لهما الحب والرعاية. وأحست هند بالفخر والاعتزاز بأنها تربت عند أم عظيمة عوضتها وأختها عن كل شيء فقدوه في الحياة، وكانت لهم كل شي، ورغم كل التحديات، كان شعور المسؤولية تجاه نفسها ومستقبلها أكبر من أي شعور آخر.

البداية: كفاح طفلة
عاشت هند طفولة مليئة بالتحديات وشعرت أنها مختلفة، لكنها قررت أن تجعل من هذا الاختلاف حافزا للتميز. أظهرت شغفا كبيرا بالتعلم منذ صغرها واستطاعت أن تكمل تعليمها الأساسي بتفوق رغم الصعوبات. وعندما حان وقت الثانوية العامة، بذلت جهدا مضاعفا لتكون من الأوائل. كانت تستذكر دروسها ليلاً وتعمل على تطوير موهبتها في كتابة الشعر، تلك الموهبة التي كانت متنفسها الوحيد في لحظات الضيق.
الحلم الجامعي: تحدٍ جديد
بعد حصولها على الثانوية العامة، كان حلم هند هو التعليم العالي، لكن الظروف المادية للأسرة البديلة جعلتها تتردد. لم ترغب هند أن تكون عبئا عليهم، فقررت البحث عن طرق تمكنها من تحقيق حلمها دون إثقال كاهلهم. في تلك الأيام كان ينزل إعانة لكل يتيم قدرها “1200ريال” وحاولت هند أن تجمع المبلغ وتدرس المواد حسب مقدرتها المادية، وسجلت في جامعة الملك فيصل دبلوم محاسبة وحصلت على الدبلوم خلال أربع سنوات، كانت مليئة بالتحديات. وكانت الفرحة الكبرى لها ولأمها البديلة وأخواتها يوم تخرجها من الجامعة بعد تعب وجهد وإصرار عام 2005 حيث حققت طموحاتها.

رحلة الجامعة والزواج:
وبعد تخرجها تزوجت شاب من الأبناء الايتام وبسبب وجودها في منطقة وهو في منطقة أخرى لم يستمر زواجها سوى ثلاث سنوات، ورغم الألم قررت أن تحول تلك التجربة إلى درس يقويها ويدفعها نحو تحقيق أهدافها.
جلست هند تبحث عن وظيفة لسنوات حتى وفقها الله بوظيفة محاسبة في إحدى الشركات وكان همها الوحيد أن ترد بعض الجميل لأمها التي احتضنتها. ولكن بعدها بثلاث شهور واجهتها ظروف مرض الوالدة ودخولها العناية المركزة ومرافقتها لها حتى توفت.. بعد ذلك انتقلت هند من الدمام للرياض لتبحث عن مستقبلها الوظيفي والحياتي. وبعد عام من الإصرار والبحث حصلت هند على وظيفة خدمة عملاء في شركة مشغلة تابعة لشركة الكهرباء ورغم الصعوبات التي واجهتها وضغوطات العمل استمرت هند في عملها للسنة الثامنة على التوالي.

دور جمعية “كيان للأيتام ذوي الظروف الخاصة:
عرفت هند جمعية كيان عن طريق أخواتها كما قرأت عنها في الصحف ووسائل التواصل هذا وقد أمدت جمعية كيان الابنة هند بالإلهام والإحساس بأنها قادرة على صنع المستحيل. وقدمت لها التمكين عن طريق التحاقها بالدورات القيمة والهادفة التي تقدمها كيان لمستفيديها وكذلك البرامج الترفيهية واستفادت هند من رحلة الحج مع كيان وهذا بحد ذاته نعمة كبيرة، ثم أدت مناسك العمرة أيضا في رحلة ثانية وتتمنى هند تكرار العمرة.

ملكة الشعر ودعم الأيتام:
لم تكن هند مجرد طالبة جامعية مكافحة، بل كانت شاعرة متميزة، كتبت العديد من القصائد التي ألهمت من حولها ومن أبرز قصائدها “قصيدة اليتيم”، التي نالت إعجاب الكثيرين ولامست قلوب الأيتام الذين وجدوا فيها صوتًا لهم. خاصة بعد نشرها بالصحف الإلكترونية عن طرق قسم الإعلام بجمعية كيان للأيتام والتي تقول فيها:
أحمد الله ما خشيت أنى يتيمة
وأشكره في كل وقت وكل حالي
شامخه واربيت عند أمي العظيمة
بـالكرامة والوفاء اسنينٍ طوالي
يا عساها عند ربي في سكينة
في جنان الخلد وأنهار وظلالي
راضيه بحكم القدر شره ونعيمه
أمر ربي صاير(ن) وأبلا محالي
اليوم أصبحت هند أكثر تصميمًا على تحقيق طموحها في أن تكون في منصب قيادي يخدم الأيتام. تعمل اليوم بكل جهدها لتحقيق هذا الحلم، وتسعى إلى أن تكون نموذجًا يُحتذى به لكل يتيم.
شكر وامتنان
توجه هند أحمد شكرها العميق لجمعية “كيان”، التي أضاءت طريقها، وساعدتها على تخطي كل العثرات بطرق التنمية والتمكين التي تقدمها كيان لأبنائها الأيتام. “ولمعرفة المزيد عن جمعية كيان الضغط على https://x.com/kayan_org”
الخاتمة
قصة الابنة هند أحمد هي قصة إصرار وإيمان بالذات. من يتيمة بلا مأوى إلى امرأة طموحة تحلم بقيادة التغيير في حياة الأيتام. هي اليوم ليست مجرد ناجية من اليُتم، بل هي ملهمة وصوت قوي لكل من يمر بظروف مشابهة، فقصصهم ليست مجرد شهادات على الصبر والكفاح، بل هي دعوة للتأمل في قوة الإنسان على تجاوز أصعب الأقدار وتحقيق أحلامه رغم الصعاب. هي قصص تلامس القلوب، وتلهم العقول، وتذكرنا أن النجاح ليس حكرًا على من كانت ظروفهم مثالية، بل هو متاح لكل من آمن بنفسه وأصر على المضي قدمًا.

اترك تعليقاً